فصل: الشاهد السادس والخمسون بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن دعوة الأمراء من المغرب استيلاء السلطان أبي العباس على قسنطينة:

لما هلك السلطان أبو عنان قام بأمره من بعده وزيره الحسن بن عمر ونصب ابنه محمد السعيد للأمر كما نذكره في أخباره وكان يضطغن للأمير أبي عبد الله صاحب بجاية فقبض عليه لأول أمره اعتقله حذرا من وثوبه على حمله فيما زعموا وكان السلطان أبو العباس بسبتة منذ أنزله السلطان أبو عنان بها ورتب عليه الحرس كما ذكرنا فلما انتزى على الملك المنصور بن سليمان من أعياص ملكهم ونازل البلد الجديد دار الملك ودخل في طاعته سائر الممالك والأعمال بعث في السلطان أبي العباس واستدعاه من سبتة فنهض إليه وانتهى في طريقه إلى طنجة ووافق في ذلك إجازة السلطان أبي سالم من الأندلس لطلب ملكه وكان أول ما استولى عليه من أعمال المغرب طنجة وسبتة فاتصل به السلطان أبو العباس وظاهره على أمره إلى أن نزع إليه قبيلة بني مرين عن منصور بن سليمان المنتزي على ملكهم فاستوسق أمره واستثبت سلطانه به ودخل فاس وسرح الأمير أبا عبد الله من اعتقال الحسن بن عمر كما قدمناه ورعى للسلطان أبي العباس ذمة سوابقه القديمة والحادثة فرفع مجلسه وأسنى جرايته ووعده بالمظاهرة على أمره واستقروا جميعا إلى إيالته إلى أن كان من تغلب السلطان أبي سالم على تلمسان والمغرب الأوسط ما نذكره في أخبارهم.
واتصل به ثورة أهل بجاية بعاملهم يحيى بن ميمون ورجالات قبيلتهم فامتعض لذلك وحين قفل إلى المغرب نفض يده من الأعمال الشرقية ونزل للسلطان أبي العباس عن قسنطينة دار إمارته ومثوى عزه ومنبت ملكه فأوعز إلى عاملها منصور ابن مخلوف بالنزول له عنها وسرحه إليها وسرح معه الأمير أبا عبد الله ابن عمه لطلب حقه في بجاية والاجلاب على عمه السلطان عبد الحق جزاء بما نال من بني مرين عند افتتاحها من المعرة وارتحلوا إلى تلمسان في جمادي من سنة إحدى وستين وسبعمائة وأغذوا السير إلى مواطنهم فأما السلطان أبو العباس فوقف منصور بن مخلوف عامل البلد على خطاب سلطانه بالنزول في قسنطينة فنزل وأسلمها إليه وأمكنه منها فدخلها شهر رمضان سنة إحدى وستين وسبعمائة واقتعد سرير ملكه منها وتباشرت بعودته مقاصر قصورها فكانت مبدأ سلطانه ومظهرا لسعادته ومطلعا لدولته على ما نذكر بعد وأما الأمير أبو عبد الله صاحب بجاية فلحق بأول وطنها واجتمع إليه أولاد سباع أهل ضاحيتها وقفرها من الزواودة ثم رحف إليها فنازلها أياما وامتنعت عليه فرحل عنها إلى بني ياورار واستخدم أولاد محمد بن يوسف والعزيز بين أهل ضاحيتها من سدويكش ثم نزعوا عنه إلى خدمة عمه ببجاية فخرج إلى القفر مع الزواودة إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن وصول الأمير أبي العباس يحيى بن زكريا من تونس وافتتاحه بونة واستيلائه عليها:

كان الأمير أبو يحيى زكريا منذ بعثه أخوه العباس إلى عمهما السلطان أبي إسحق صريخا لم يزل مقيما بتونس وبلغه استيلاء السلطان أبي عنان على قسنطينة وهو بتونس ثم لما كانت عودة مولانا أبي العباس من المغرب واستيلاؤه على قسنطينة فخشي الحاجب أبو محمد بن تافراكين بادرته وتوقع زحفه إليها وغلبه إياه على الأمر ورأى أن يخفض جناحه في أخيه ويتوثق به فاعتقله بالقصبة تحت كرامه ورعي وبعث فيه السلطان أبو الحسن بعد مراوضة في السلم فأطلقه وانعقد بينهما السلم ولما وصل الأمير أبو يحيى ابن أخيه بقسنطينة عقد له عن العساكر وأصاروها نجما لعمله واستمرت حالها على ذلك إلى أن كان من أمرها ما نذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن استيلاء الأمير أبي عبد الله على بجاية ثم على تدلس بعدها:

لما قدم السلطان أبو عبد الله من المغرب ونازل بجاية فامتنعت عليه خرج إلى أحياء العرب كما قدمناه ولزم صحابته أولاد يحيى بن علي بن سباع بعد توالي الوفاد بها وأقام بين ظهرانيهم وفي حللهم ومتعهدا في طلب بجاية برحلة الشتاء والصيف وتكفلوا نفقة عياله ومؤنة حشمه وأنزلوه بتلك المسيلة من أوطانهم وتجافوا له عن جبايتها وأقام على ذلك سنين خمسا ينازل بجاية في كل سنة منها مرارا وتحول في السنة الخامسة عنهم إلى أولاد علي بن أحمد ونزل على يعقوب بن علي فأسكنه بمقره من بلاده إلى أن بدا لعمه المولى أبي اسحق رأيه في اللحاق بتونس لما توقع من مهلك حاجبه وكافله أبي محمد بن تافراكين أسره إليه بعض الجند فحذره مغبته ووقع من ذلك في نفوس أهل بجاية انحراف عنه وحرج أمره وراسلوا أميرهم الأقدام أبا عبد الله من مكانه بمقرة وظاهره على ذلك يعقوب بن علي وأخذ له العهد على رجالات سدويكش أهل الضاحية وارتحلوا معه إلى بجاية ونازلها أياما ثم استيقن الغوغاء اعتزم سلطانهم على التقويض عنهم وسئموا ملكة علي بن صالح الذي كان عريفا عليهم فثاروا به ونبذوا عهده وانفضوا من حوله إلى الأمير أبي عبد الله بالحرسة من ساحة البلد ثم قاد إليه عمه أبا إسحق فمر عليه وخلى سبيله إلى حضرته فلحق بها واستولى أبو عبد الله على بجاية محل إمارته في رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة وتقبض على علي بن أبي صالح ومن معه من عرفاء الغوغاء أهل الفتنة فاستصفى أموالهم ثم أمضى حكم الله في قتلهم ثم نهض إلى تدلس لشهرين من مملكة بجاية فغلب عليها عمر بن موسى عامل بني عبد الواد ومن أعياص قبيلهم وتملكها في آخر سنة خمس وستين وسبعمائة وبعث عني من الأندلس وكنت مقيما بها نزيلا عند السلطان أبي عبد الله بن أبي الحاج بن الأحمر في سبيل اغتراب ومطاوعة تغلب منذ مهلك السلطان أبي سالم الجاذب بضبعي إلى تقويمه والترقي في خطط كتابته من ترسيل وتوقيع ونظر في المظالم وغيرها فلما استدعاني هذا الأمير أبو عبد الله بادرت إلى امتثاله ولو شاء ربك ما فعلوه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير فاجزت البحر شهر جمادى من سنة ست وخمسين وسبعمائة وقلدني حجابته ودفع إلي أمور مملكته وقمت في ذلك المقام المحمود إلى أن بأذن الله بانقراض أمره وانقطاع دولته والله الخلق والأمر وبيده تصاريف الأمور.